الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إن من الآداب التي حثنا عليها الإسلام وشرعها لحفظ العلاقات بين الناس الإبتعاد عن النميمة فيما بينهم حيث جعلها من المحرمات قال الله تعالى (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ )
أي لا تطع ولا تسمع لكل حلاَّف مهين وهو الذي يكثر الحلف وهو كاذب والهماز هو الذي يغتاب الناس والمشاء بنميم هو الذي يمشي بين الناس وينقل الكلام على سبيل الإفاسد والتحريش .
فما أقبح النميمة كم جلبت الفتن بين الناس .
وكم فرقت بين الأهل والأحباب .
وكم أفسدت من علاقات بين الأصحاب .
إنها تجعل الزوجين متنافرين وتجعل الصديقين عدوين .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله وشر عباد الله المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البرءاء العنت )
أي الذين يسعون لجلب المشقة والمصائب والبلايا للآخرين بسبب نميمتهم وتحريشهم .
قال العلماء رحمهم الله النميمة من الكبائر والنمام هو من يكون مع جماعة يتحدثون فينقل عنهم على وجه الإفساد والقطيعة .
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )
وفي الحديث ( لا يدخل الجنة نمام ) وفي لفظ ( لا يدخل الجنة قتات )
والقتَّات هو الذي يسمع للناس من حيث لا يشعرون به ثم ينقل عنهم على وجه التحريش والإفساد .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي أن يُبلغ عن أصحابه شيئاً بسوءه ولهذا قال ( لا يُبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) رواه ابو داود رحمه الله.
فقوله صلى الله عليه وسلم ( فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )
لأن النميمة توحش القلوب وتزرع فيها النفور وتزيد الظنون والشكوك لذلك ليس أقر لعين المسلم من أن يعيش سليم الصدر .
قال الحافظ المنذري رحمه الله : أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل .
ولهذا جاء وصف الله عز وجل النمام بتسع صفات كلها صفات ذميمة قتأمل هذه الآية (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ )
فلاحظ معي ( حلاف ) أي كثير الحلف و ( مهين ) أي لا يحترم نفسه ولا يحترم غيره و (هماز ) أي يهمز الناس بالعيب و ( مشاء بنميم ) أي ينقل الأحاديث من بعض إلى بعض و ( مناع ) ي يمنع الخير و ( معتد ) أي متجاوز للحق و ( أثيم ) في تناوله للمحرمات و ( عتل ) وهذه صفة تجمع خصال القسوة والشر و ( زنيم ) أي شرير يحب الإذاء .
فلهذا ينبغي علينا جميعاً أن نتجنب مثل ذلك لأن المشي والسعي بين الناس بالوشيات والقيل والقال خطره عظيم وشره بلائه مستطير يوغر القلوب والنفوس بالعدوات وهذا يناقض حق المسلم على المسلم ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )
فرحم الله سلف هذه الأمة كان الواحد منهم يتجنب المباح من الكلام خشية الوقوع في الحرام .
وإن جئت تتأمل واقع الناس اليوم تجد البعض لا يبالي بظلم لسانه وسلاطة قوله ولا تهمه النتائج فهو إلى الشر أقرب .
دخل رجل على عمرو بن عبد العزيز فذكر عنده وشاية في رجل على أنه يذمه فقال له : إن شئت حققنا هذا الذي تقول فيه وننظر فيما نسبته إليه فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) وإن شئت عفونا عنك . فقال : العفو يا أمير المؤمنين لا أعود لهذا أبداً .
ودخل رجل على عمرو بن عبيد رحمه الله فقال له إن فلاناً لا يزال يذكرك بشر فقال يا هذا ما راعيت مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي حيث أعلمتني عن أخي ما اكره ولكن أذهب إليه وأعلمه أن الموت يغمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
وقد ذكر أن سليمان بن عبد الملك كان جالساً وعنده الإمام الزهري رحمه الله فجاءه رجل فقال له سليمان بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا فقال الرجل : ما فعلت ولا قلت . فقال سليمان إن الذي أخبرني صادق وثقة فقال له الإمام الزهري : لا يكون النمام صادقاً فقال سليمان صدقت ثم قال للرجل : اذهب بسلام .
فكم من ناقل للكلام جلب الهموم والمصائب للناس .
أفلا يتقي الله عز وجل ذلك الذي يسعى للإيقاع بين الزوجين ( لعن الله من خبب بين امرأة وزوجها )
ألا يتقي الله عز وجل ذلك الذي يفرق بين الزملاء بما يفعله من الوشايات للتفريق بينهم من أجل مصلحة أو مكانة أو منزلة ينزلق إليها ألا يتقي الله ذلك الذي يهدم العلاقات بين العلماء وطلاب العلم والدعاة في زرع الإحن وهدم الثقة .
ألا يتقي الله ذلك الذي يعمل على إفشال المودات فيما يجره على نفسه وعلى غيره من الإفساد للعلاقات .
قال الله تعالى (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )
لذلك أوصي الأخوة والأخوات جميعاً أن يتقوا الله عز وجل ويعملوا على إجتناب النميمة وطرقها ووسائلها سواء كانت شفاهاً أو كتابة أو لمزاً أو غمزاً لنعمل جميعاً على نشر الخير والفضيلة ولنحاول إظهار الآخرين وإيجابياتهم وهذا له نفعه ووقعه بدل القيل والقال لأن الكلام بين الناس من الممكن أن يكون حواراً نافعاً أو حواراً مدمراً يؤدي إلى تأجيج البغضاء في المجتمع وتدمير العلاقات وإنتشار الفتنة والإشاعات الكاذبة .
فلنحرص على الوصية الربانية قال الله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )