سؤال وجواب (بإشراف فضيلة الشيخ الدكتور عيسى الدريويش)

سؤال وجواب (بإشراف فضيلة الشيخ الدكتور عيسى الدريويش) (http://www.essanet.org/fatawa/index.php)
-   المسائل الزوجية (http://www.essanet.org/fatawa/forumdisplay.php?f=10)
-   -   النكاح (http://www.essanet.org/fatawa/showthread.php?t=10248)

الاسد 11-04-2012 11:03 PM

النكاح
 
ماهو تعريف النكاح وماحكمه وشروطه واركانه والمحرمات من النساء ؟؟

الشيخ عيسى 11-05-2012 07:04 PM

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ونسأل الله لنا ولكم الثبات والتوفيقوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وإليك الجواب من كتابي لرسالة الماجستير ( مذاهب الفقهاء في تفسير آيات الأحكام في سورة البقرة )

تعريف النكاح لغة واصطلاحاً<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p>
فالنكاح لغة: الضم والجمع، ومنه تناكحت الأشجار إذا تداخلت، ونكح فلان امرأة ينكحها نكاحاً إذا تزوجها([1]). <o:p></o:p>
وشرعاً: هو عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصداً([2]). <o:p></o:p>
وفي القيد الأخير- قصداً- احتراز عن البيع ونحوه، لأنّ المقصود فيه تمليك الرقبة، وملك المنفعة داخل فيه ضمناً. <o:p></o:p>
وقيل: هو عقد يفيد استمتاع كلٌّ من الزوجين بالآخر<SUP>([3])</SUP>.<o:p></o:p>
وقد يطلق النكاح على الوطء، من قبيل إطلاق الشيء على غايته وغرضه، كما في حديث رسول الله e: «اصنعوا كلّ شيء إلاّ النكاح»<SUP>([4])</SUP>. أي اصنعوا قُبْلَةً ولَمْساً من أزواجكم حالة الحيض إلاّ القربان مما تحت الإزار.<o:p></o:p>
أركان النكاح<o:p></o:p>
اختلف الفقهاء- رحمهم الله- في أركان النكاح على مذاهب. <o:p></o:p>
فذهب الحنفية: إلى أنّ ركن النكاح هو الإيجاب والقبول فقط؛ لأنّ العقد يوجد بهما، وكن الشيء ما يوجد به، كأركان البيت.<o:p></o:p>
وذهب المالكية: إلى أنّ أركانه: ولي، ومحل (زوج، وزوجة)، وصيغة.<o:p></o:p>
وذهب الشافعية: إلى أنّ أركانه خمسة: صيغة، وزوج، وزوجة، وشاهدان، وولي.<o:p></o:p>
وذهب الحنابلة: إلى أنّ أركانه ثلاثة: زوجان، والإيجاب، والقبول.<o:p></o:p>
وللفقهاء تفصيل في إيضاح هذه الأركان([5]).<o:p></o:p>
فيتبيّن مما سبق أنّ أركان النكاح ثلاثة:<o:p></o:p>
الأول: وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح.<o:p></o:p>
الثاني: الإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه؛ كأن يقول للزوج زوجتك بفلانة، أو أنكحتكها.<o:p></o:p>
والثالث: القبول، وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه؛ بأن يقول قبلت هذا التزويج أو النكاح.<o:p></o:p>
واختار شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذة ابن القيم- رحمهما الله- أنّ النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه، ولا يقتصر على لفظ النكاح والتزويج. ووجهة نظر من قصره على لفظ الإنكاح والتزويج: أنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن, كقوله تعالى: ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرً‌ا زَوَّجْنَاكَهَا )
([6])، وقوله: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)<SUP>([7])</SUP>. ولم يذكر سواهما في القران الكريم، فوجب الوقوف معهما تعبدًّا واحتياطاً، لأنّ النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تُتَلَقّى من الشرع، والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والإنكاح.<o:p></o:p>

<o:p></o:p>شروط عقد النكاح<o:p></o:p>
اشتراط الولي<o:p></o:p>
اختلف الفقهاء- رحمهم الله- في كون الولي ركناً من أركان النكاح أو شرطاً في صحته أو شرطاً في جوازه ونفاذه على قولين:<o:p></o:p>
القول الأول: أنّ الولي ركن أو شرط لصحة عقد النكاح، فلا يصح نكاح بغير ولي. وهذا مذهب جماهير أهل العلم؛ من المالكية([8])، والشافعية([9])، الحنابلة([10]).<o:p></o:p>
القول الثاني: ليس الولي شرطاً في صحة النكاح؛ بل ينعقد نكاح الحُرّة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي. وهذا مذهب الحنفية([11]).<o:p></o:p>
القول الثالث: التفريق بين البكر والثيب؛ فالبكر لا تزوِّج نفسها بخلاف الثيب، فإنّ لها أن تزوِّج نفسها. وهو مذهب داود الظاهري([12]).<o:p></o:p>
الأدلة:<o:p></o:p>
استدل من قال باشتراط الولي لصحة عقد النكاح بالكتاب، والسنة<o:p></o:p>
أمّا الكتاب، فاستدلوا منه بآيات؛ منها<o:p></o:p>
1- قوله تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ )([13]).<o:p></o:p>
فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى، ولو كان التزويج عائداً إلي النساء لما وجّه الخطاب للرجال.<o:p></o:p>
قال القرطبي- رحمه الله-: "وفي هذا دليل على أنّ المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي، وهو قول أكثر العلماء"([14]).<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
2- قوله تعالى: ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )([15]).<o:p></o:p>
وأمّا السنة، فاستدلوا بعدد من الأحاديث؛ منها<o:p></o:p>
1- قوله e: «لا نكاح إلاّ بولي»([16]). <o:p></o:p>
وجه الدلالة: قوله e: (لا نكاح...) نفي، والنفي إذا تسلّط على الحقيقة الشرعية اقتضى نفي الصحة، فيكون المعنى: لا نكاح صحيح إلاّ بولي.<o:p></o:p>
وناقش الحنفية هذا الاستدلال: بحمل النفي على جهة الكمال، فيكون النكاح صحيحاً بدون ولي، ولكنّه مع الولي أكمل([17]).<o:p></o:p>
وأجيب: بأنّه لا يصح حمل الحديث على نفي الكمال؛ لأنّ كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية، أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلاّ بولي.<o:p></o:p>
2- عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النبي e قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»([18]).<o:p></o:p>
ولا يفهم من هذا الحديث صحة الزواج بإذن الولي؛ لأنّه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له؛ لأنّ الغالب أنّ المرأة إنما تُزَوِّجُ نفسها بإذن وَلِيِّهَا. ويؤكّده حديث : «لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوّج المرأةُ نفسها»([19]). فإنّه يدل على أنّ المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجاباً ولا قبولاً، فلا تزوّج نفسها بإذن الولي ولا بغيره، ولا تزوّج غيرها بولاية ولا بوكالة.<o:p></o:p>
و استدل الحنفية على مذهبهم بالكتاب، والسنة<o:p></o:p>
فأمّا الكتاب، فاستدلوا بآيات؛ منها<o:p></o:p>
1- قوله تعالى: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )([20]).<o:p></o:p>
وجه الدلالة: أنّ النكاح في الآية الكريمة معناه العقد، وقد أضاف المولى عز وجل النكاح إليها، فيقتضي ذلك تَصَوُّرَ النكاح منها دون الولي، وهو دليل على أنّ المرأة لها أن تُزَوِّجَ نفسها([21]).<o:p></o:p>
2- وقوله تعالى: ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ )([22]).<o:p></o:p>
وجه الاستدلال من الآية: أنّ النكاح هنا معناه العقد أيضاً، وقد أضافه تعالى إليهنّ، فدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.<o:p></o:p>
وأمّا بالسنة، فاستدلوا بعدد من الأحاديث؛ منها<o:p></o:p>
1- قوله e: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر وصماتها إقرارها»([23]).<o:p></o:p>
2- وقوله e: «الأيِّم([24]) أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها»([25]).<o:p></o:p>
دليل القول الثالث: استدل أصحاب هذا القول بالحديث السابق، وهو قوله e: «الأيِّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها»([26]).<o:p></o:p>
ووجه الدلالة منه: دلّ الحديث على أنّ حكم الثيب غير حكم البكر، إذ أنّ الثيب أحق بنفسها من وليها، فيصح أن تعقد على نفسها بخلاف البكر، فلا يزوجها إلاّ الولي.<o:p></o:p>
الترجيح:<o:p></o:p>
والذي أرجحه ما عليه جمهور العلماء- رحمهم الله- من اشتراط الولي في النكاح؛ وذلك لقول النبي e: «لا نكاح إلاّ بولي»<SUP>([27])</SUP>، فهو نص في محل النزاع. <o:p></o:p>
قال الإمام الشوكاني- رحمه الله-: "الأحاديث الواردة في اعتبار الولي قد سدّدها الإمام الحاكم<SUP>([28])</SUP> من طريق ثلاثين صحابياً، وفيها التصريح بالنفي؛ كحديث: (لا نكاح إلاّ بولي)، فأفاد انتفاء النكاح الشرعي بانتفاء الولي"<SUP>([29])</SUP>. <o:p></o:p>
اشتراط الشهود في النكاح<o:p></o:p>
اختلف أهل العلم- رحمهم الله- في اشتراط الشهود لعقد النكاح، وذلك على ثلاثة أقوال:<o:p></o:p>
القول الأول: أنّه لا يصحّ عقد النكاح إلاّ بإشهاد على العقد. وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية<SUP>([30])</SUP>، والشافعية<SUP>([31])</SUP>، والمشهور عند الحنابلة([32]).<o:p></o:p>
<o:p></o:p>
القول الثاني: الإشهاد على العقد مستحب، لكن يشترط الإشهاد عند الدخول، فإن أشهدا قبل الدخول صح النكاح. وهو مذهب المالكية([33])، والظاهرية([34])، ورواية عن أحمد([35]).<o:p></o:p>
الأدلة:<o:p></o:p>
استدل أصحاب القول الأول بالكتاب، والسنة، والمعقول<o:p></o:p>
أمّا الكتاب: فقوله تعالى: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) ([36]).<o:p></o:p>
وجه الدلالة من الآية:<o:p></o:p>
أمر الله تعالى بالإشهاد في الرجعة، والرجعة هي إعادة نكاح سابق، فإذا كان الإشهاد مأموراً به على الرجعة، فالإشهاد على العقد ابتداءً من باب أولى، لأنّ المُرَاجَعَةِ زوجته، وهذه أجنبية منه، فإذا أُمِرَ بالإشهاد على الرجعة، فالإشهاد على عقد النكاح من باب أولى([37]).<o:p></o:p>
وأمّا السنة: فقد استدلوا بعدد من الأحاديث؛ منها<o:p></o:p>
1- حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-، أنّ النبي e قال: «لا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل»([38]).<o:p></o:p>
قال الإمام المحقق محمد بن علي الشوكاني- رحمه الله-: "أحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً …وهذا النفي يتوجه إلى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الإشهاد شرطاً؛ لأنّه قد استلزم عَدَمُه عَدَمَ الصحة، وما كان كذلك فهو شرط"([39]).<o:p></o:p>
2- وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله e: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له»([40]). <o:p></o:p>
وهو نص صريح في بطلان النكاح بدون شاهدي عدل، ودليل أيضاً على اشتراط الشهادة في صلب النكاح، وإلاّ لما وقع النكاح فاسداً بدونها.<o:p></o:p>
3- قوله e: «أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف»([41]).<o:p></o:p>
وجه الدلالة من الحديث: قال العلامة المباركفوري- رحمه الله- : "قوله: (أعلنوا هذا النكاح …) أي بالبيِّنة، فالأمر للوجوب، أو بالإظهار والاشتهار، فالأمر للاستحباب، كما في قوله : (واجعلوه في المساجد). وهو إمّا أدعى للإعلان، أو لحصول بركة المكان"([42]).<o:p></o:p>
وأمّا من جهة المعقول:<o:p></o:p>
فإنّ عقد النكاح لا يتعلّق به حق المتعاقدين فقط- الزوج والزوجة-، وإنما يتعلّق به حق غير العاقدين أيضا،ً وهو الولد، فاشترطت فيه الشهادة، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه.<o:p></o:p>
كما أنّ الشهادة في باب النكاح للحاجة إلى صيانته من الجحود والإنكار، ودفع تهمة الزنا([43]).<o:p></o:p>
واستدل أصحاب القول الثاني بالكتاب، والسنة<o:p></o:p>
أمّا الكتاب: فاستدلوا بآيات؛ منها<o:p></o:p>
(1) عموم قول الله تعالى: ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) <SUP>([44])</SUP>.<o:p></o:p>
وجه الدلالة: أنّ الله تعالى لم يذكر الشهادة، فيبقى النص على الإطلاق، ولا تشترط الشهادة<SUP>([45])</SUP>. <o:p></o:p>
(2) وعموم قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )<SUP>([46])</SUP>، والنكاح من العقود التي يجب الوفاء بها دون شهود<SUP>([47])</SUP>. <o:p></o:p>
وأمّا السنة: فعدد من الأحاديث؛ منها<o:p></o:p>
(1) عن أنس بن مالك t: «اشترى رسول الله e جارية بسبعة أرؤس، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله eأم جعلها أم ولد؟ فلما أراد أن يركب، حَجَبَهَا، فعلموا أنّه تزوجها»<SUP>([48])</SUP>. وجه الاستدلال: أنهم لم يستدلوا على تزويجها إلاّ بالحجاب، مما دل على عدم اشتراط الإشهاد في عقد النكاح<SUP>([49])</SUP>.<o:p></o:p>
(2) وروى عباد بن سنان t، أنّ رسول الله e قال: «ألا أنكحك آمنة بنت ربيعة بن الحارث، قال: بلى، قال: قد أنكحتها، ولم يشهد»<SUP>([50])</SUP>. <o:p></o:p>
(3) روي أنّ عليّاً زوّج أم كلثوم من عمر ولم يشهد<SUP>([51])</SUP>.<o:p></o:p>
الترجيح:<o:p></o:p>
عند النظر في أدلة القولين، والنظر في أوضاع الناس وواقع المجتمعات، يظهر لي- والعلم عند الله- رجحان القول الأول القاضي باشتراط الشهادة في عقد النكاح، وذلك لعدة أسباب منها: <o:p></o:p>
1- أنّ أحاديث اشتراط الشهادة كثيرة، وقد ذكرت بعضها، وقد رويت بطرق مختلفة وأسانيد متعددة؛ لذا يظهر لمن تأمل أسانيد الأحاديث وطرقها ومتابعاتها أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج بها، فأقل ما يقال في الشهادة في عقد النكاح أنها ثابتة بأحاديث حسنة.<o:p></o:p>
2- اشتراط الشهادة في عقد النكاح له فوائد عدة، منها: <o:p></o:p>
أولاً: إثبات النكاح عند العقد وصيانة له عن الجحود، خصوصاً ونحن في زمن تهاون فيه كثير من الناس في التقاء الزوجين قبل الدخول ببعضهما، وأحياناً الخلوة بها والخروج معها وقد يواقعها؛ مما استدعى الأمر معه إلى إثبات النكاح عند العقد، وليس عند الدخول. <o:p></o:p>
ثانياً: أنّ من المقرر عند الفقهاء أنّ الأصل في الأبضاع الحرمة، فإذا تعارض دليلان أحدهما موجب للحل والآخر موجب للحرمة، رُجِّحَ الموجب للحرمة للأصل<SUP>([52])</SUP>. <o:p></o:p>
ثالثاً: الناس يختلفون في إعلان النكاح بحسب أعرافهم وواقعهم، وقد يطرأ عليهم ما يمنع من إعلانه، ثم إنّ ضابط الإعلان مختلف فيه، فكان اشتراط الشهادة في العقد أولى من عدمه؛ لأنّ الشهادة لا مجال فيها للتفاوت أو الاختلاف.<o:p></o:p>
3- عند تأمل الآثار المترتبة على القول الثاني، يظهر رجحان القول الأول، ففي عدم اشتراط الشهادة في عقد النكاح انتشار لنكاح السر، وناهيك عن ما فيه من مفاسد وأضرار على الأفراد والمجتمعات، ولا سيما هذا الواقع الذي كثر فيه التّحَيُّل على الحرام، وماتت الغيرة في نفوس فئة من المسلمين، بل وانتشرت الدياثة التي تأباها الشريعة والفطر المستقيمة.<o:p></o:p>
وللمالكية تفصيل في المسألة حاصلة:<o:p></o:p>
أنّ أصل الإشهاد على النكاح واجب، وأمّا وجوده عند العقد فمستحب، فإن حصل الإشهاد عند العقد فقد وجد الأمران: الاستحباب، والوجوب، وإن فُقِدَ وقت العقد ووُجِدَ عند الدخول، فقد حصل الواجب وفات الاستحباب، وإن لم يوجد عند واحد منهما فالنكاح فاسد<SUP>([53])</SUP>. <o:p></o:p>
وعليه فالمالكية يتفقون مع الجمهور، على اشتراط الإشهاد في النكاح في الجملة، إلاّ أنّ الجمهور يرون أنّ الشهادة شرط لصحة العقد، بحيث يكون العقد فاسداً إذا لم يقع الإشهاد عند إجرائه. ويرى المالكية أنّه شرط لتمام العقد لا لصحته، بحيث يكون العقد فاسداً إذا لم يقع الإشهاد قبل الدخول.<o:p></o:p>
اشتراط تعيين الزوجين<o:p></o:p>
من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين؛ لأنّ كلّ عاقد ومعقود عليه يجب تعيينه، كالمشتري والمبيع، ثم ينظر، فإن كانت المرأة حاضرة، فقال: زوجتك هذه صح، فإنّ الإشارة تكفي في التعيين، فإن زاد على ذلك، فقال: بنتي هذه، أو هذه فلانة كان تأكيداً، وإن كانت غائبة، فقال: زوجتك بنتي وليس له سواها جاز، فإن سمّاها باسمها مع ذلك، كان تأكيداً.<o:p></o:p>
فإن كان له ابنتان أو أكثر، فقال: زوجتك ابنتي، لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به؛ من اسم أو صفة، فيقول: زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى، فإن سمّاها مع ذلك كان تأكيداً<SUP>([54])</SUP>.<o:p></o:p>
اشتراط التراضي<o:p></o:p>
ففي مذهب الجمهور: لا يصح الزواج بغير رضا العاقدين، فإن أُكْرِهَ أحدهما على الزواج بالقتل، أو بالضرب الشديد، أو بالحبس المديد، كان العقد باطلاً<SUP>([55])</SUP>. <o:p></o:p>
والدليل على هذا الشرط: ما جاء عن أبي هريرة t، أنّ النبي e قال: «لا تنكح الأيِّم<SUP>([56])</SUP> حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»<SUP>([57])</SUP>. وفي مذهب الحنفية: الرضا ليس شرطاً لصحة النكاح، فيصح عندهم الزواج مع الإكراه والهزل؛ لأنّ المستكره قاصد عقد الزواج، لكنه غير راضٍ بالحكم الذي يترتب عليه، فهو مثل الهازل، والهَزْلُ لا يمنع صحة الزواج<SUP>([58])</SUP>.<o:p></o:p>
واستدل الحنفية: بما جاء عن أبي هريرة t، أنّ النبي e قال: «ثلاث جِدُّهُنّ جِدٌّ وهَزْلَهُنّ جِدٌّ؛ النكاح، والطلاق، والرجعة»<SUP>([59])</SUP>.<o:p></o:p>
الترجيح:<o:p></o:p>
والراجح لدي بعد التأمل والنظر لأقوال الفقهاء- رحمهم الله- أنّ العقد بين الزوجين شرطه التراضي بينهما، فلا يُجْبَرُ الرجل، ولا تُجْبَرُ المرأة؛ لكن إذا رأى الولي أن تتزوج ابنته البكر الصغيرة بمن يرى فيه مصلحة له ولها، فله جبرها مع إيناسها وإقناعها على ذلك؛ لأنّ أبا بكر الصديق t زوَّج ابنته عائشة- رضي الله عنها- النبيَّ e وهي ابنة ست، ولم يستأذنها([60]).<o:p></o:p>






<HR align=right SIZE=1 width="33%">
([1]) لسان العرب , لابن منظور (2/625).<o:p></o:p>

([2]) التعريفات؛ للجرجاني (ص: 315).<o:p></o:p>

([3]) مغني المحتاج (3/123).<o:p></o:p>

([4]) سبق تخريجه ص 171. <o:p></o:p>

([5]) الاختيار لتعليل المختار (3/95)، والشرح الصغير؛ للدردير (2/234)، ومغني المحتاج (3/139)، والروض المربع شرح زاد المستقنع (3/67).<o:p></o:p>

([6]) سورة الأحزاب (آية: 37).<o:p></o:p>

([7]) سورة النساء (آية: 22).<o:p></o:p>

([8]) الاستذكار (5/394)، والفواكه الدواني (3/347).<o:p></o:p>

([9]) الأم (5/167)، والمهذب؛ للشيرازي (2/35).<o:p></o:p>

([10]) الكافي؛ لابن قدامة (3/9)، والروض المربع (1/335)، والعدة شرح العمدة (2/5).<o:p></o:p>

([11]) المبسوط (6/53)، والاحتيار لتعليل المختار (3/104).<o:p></o:p>

([12]) المحلى (9/455).<o:p></o:p>

([13]) سورة النور (آية: 32).<o:p></o:p>

([14]) الجامع لأحكام القرآن (12/239).<o:p></o:p>

([15])سورة البقرة (آية: 221).<o:p></o:p>

([16]) أخرجه أبو داود (1/635)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2085)، والترمذي (3/407)، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلاّ بولي، ح (1101)، وابن ماجة (1/605)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي، ح (81)، والدارقطني في سننه (3/218)، والحاكم في المستدرك (2/170)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/107)، وابن حزم في المحلى (9/452)، كلهم من طريق أبي إسحاق، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه مرفوعاً. وقال الترمذي- رحمه الله-: «هذا حديث حسن». وصححه ابن حبان في صحيحه , باب النكاح , كتاب الولي بطلان النكاح بغير ولي(6/151) ح (4062) .<o:p></o:p>

([17]) البحر الرائق (8/18).<o:p></o:p>

([18]) أخرجه وأبو داود (2/229)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2083)، والترمذي (3/398)، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلاّ بولي، ح (1102)، وابن ماجة (1/605)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي، ح (1879)، وابن حبان في صحيحه (9/384)، والحاكم في المستدرك (2/168)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/105).<o:p></o:p>
قال أبو عيسى الترمذي- رحمه الله-: «هذا حديث حسن». وقال الحاكم- رحمه الله-: «صحيح على شرط الشيخين». وصححه ابن حبان في صحيحه , كتاب النكاح , باب الولي عقد النساء (6/154) ح (4071) .<o:p></o:p>

([19]) أخرجه ابن ماجة (1/605)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي، ح (1882). وصححه ابن الملقن في البدر المنير (7/564)، والألباني في الإرواء (6/248).<o:p></o:p>

([20]) سورة البقرة (آية: 230).<o:p></o:p>

([21]) بدائع الصنائع (3/1367).<o:p></o:p>

([22]) سورة البقرة (آية: 232).<o:p></o:p>

([23]) أخرجه أبو داود في سننه (2/196)، كتاب النكاح، باب في الثيب، ح (2102)، والنسائي في سننه (6/85)، كتاب النكاح، باب استئذان البكر في نفسها، ح (3263)، وأحمد في مسنده (1/334)، والدارقطني في سننه (4/347)، والبيهقي في سننه الكبرى (7/118).<o:p></o:p>
والحديث صححه الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/350)، وابن دقيق العيد في الإلمام (2/632)، والألباني في صحيح سنن النسائي (6/85).<o:p></o:p>

([24]) الأيّم- بتشديد الياء-: هي التي مات زوجها، أو طلقها. وقيل: هي من لا زوج لها ولو كانت بكرا، ومنه تأيمت حفصة، أي: مات زوجها.فتح الباري (1/83).<o:p></o:p>

([25]) أخرجه مسلم في صحيحه (4/141)، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، ح (3541).<o:p></o:p>

([26]) سبق تخريجه ص 209.<o:p></o:p>

([27]) سبق تخريجه ص 208. <o:p></o:p>

([28]) الإمام الحافظ، الناقد العلامة،شيخ المحدثين محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، أبو عبد اللهبن البيع الضبي الطهماني النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف وأشهرها المستدرك على الصحيحين ولد سنة 371هـ وتوفي سنة 405هـ سير أعلام النبلاء (17/162-177).<o:p></o:p>

([29]) السيل الجرار؛ للشوكاني (1/360). <o:p></o:p>

([30]) المبسوط (6/19)، ومختصر اختلاف العلماء؛ للطحاوي (2/251). <o:p></o:p>

([31]) الحاوي الكبير (9/27)، وحلية العلماء (6/365). <o:p></o:p>

([32]) المغني (9/347)، والإنصاف (4/244).<o:p></o:p>

([33]) الإشراف؛ للقاضي عبد الوهاب (2/93)، والقوانين الفقهية (ص:200). واشتراط الإمام مالك الشهادة عند الدخول، وذلك بإعلان النكاح ليخرج عن كونه نكاح سر، قال ابن القاسم عن مالك: لو زوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح؛ لأنه سر، وإن تزوج ببينة من غير استسرار جاز وأشهدا فيما يستقبلان.الذخيرة (4/398)، الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي (3/79).<o:p></o:p>

([34]) الحاوي الكبير (9/57).<o:p></o:p>

([35]) المغني (9/347).<o:p></o:p>

([36]) سورة الطلاق (آية: 2).<o:p></o:p>

([37]) فتح القدير (5/241)، والشرح الممتع (3/159).<o:p></o:p>

([38])أخرجه الدارقطني في سننه (4/315)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/124) وضعّف المرفوع، وصحّح وقفه، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه (9/386) عن عائشة- رضي الله عنها-.<o:p></o:p>

([39]) نيل الأوطار (6/260).<o:p></o:p>

([40])أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/124).قال العلامة ابن حزم- رحمه الله- بعد ذكره لهذا الحديث: (لا يصح في هذا الباب شيء غير هذا السند، وفي هذا كفاية لصحته). المحلى (9/465). <o:p></o:p>

([41]) أخرجه الترمذي (3/ 398)، كتاب النكاح، باب إعلان النكاح، ح (1089)، ابن ماجة (1/ 611)، كتاب النكاح، باب إعلان النكاح، ح (1895)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/290). قال الترمذي: «حديث غريب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث، وليس هو عيسى بن ميمون الذي يروي التفسير عن ابن أبي نجيح؛ ذلك ثقة». وقال البيهقي: «عيسى بن ميمون ضعيف». وضعفه الألباني في الإرواء (7/50).<o:p></o:p>

([42]) تحفة الأحوذي (4/210)، وينظر: المبسوط (5/32)، وفيض القدير (2/14).<o:p></o:p>

([43]) بدائع الصنائع (2/256-257)، وفتح الوهاب (2/ 59).<o:p></o:p>

([44]) سورة النساء (آية: 3). <o:p></o:p>

([45]) الحاوي (9/58). <o:p></o:p>

([46]) سورة المائدة (آية: 1).<o:p></o:p>

([47]) الإشراف (2/93). <o:p></o:p>

([48]) أخرجه مسلم (2/1045)، كتاب، باب، ح (1365). <o:p></o:p>

([49]) المغني (9/348). <o:p></o:p>

([50]) رواه مالك بلاغاً في المدونة (4/193). <o:p></o:p>

([51]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/17). <o:p></o:p>

([52]) الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية (ص: 61) المؤلف الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي : الطبعة الأولى سنة 1399هـ الموافق 1979م بيروت لبنان . <o:p></o:p>

([53]) بلغة السالك لأقرب المسلك (2/216) المؤلف أحمد الصاوي , الناشر : دار الكتب العلمية لبنان بيروت , الطبعة الأولى سنة 1415هـ ـ 1995م تحقيق محمد عبد السلام شاهين . <o:p></o:p>

([54]) الشرح الكبير (7/378). <o:p></o:p>

([55]) الاستذكار (5/402). <o:p></o:p>

([56]) الأيم: المرأة لا زوج لها، والرجل لا امرأة له.معجم مقاييس اللغة (1/66). <o:p></o:p>

(4) أخرجه البخاري (7/199)، كتاب النكاح، باب لاينكح الأب وغيره البكر والثيب إلاّ برضاها، ح (5136)، ومسلم (4/140)، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح، ح (3538). <o:p></o:p>

([58]) البحر الرائق (10/211). <o:p></o:p>

([59])أخرجه أبو داود (1/666)، كتاب الطلاق، باب في الطلاق على الهزل، ح (2194)، والترمذي (3/490)، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق، ح (1184)، وابن ماجه (1/657)، كتاب الطلاق، باب من طلق أو نكح أو راجع لاعباً، ح (2039)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/98)، والدارقطني في سننه (3/256)، والحاكم في المستدرك (2/198)، وقال: صحيح الإسناد، وعبد الرحمن بن حبيب هذا هو ابن أردك من ثقات المدنيين. <o:p></o:p>

([60]) التمهيد؛ لابن عبد البر (19/108).


الساعة الآن 03:25 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.0
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.